مدينة العرائش كانت من بين أكثر الثغور المغربية عبر
التاريخ أهمية و حساسية بالنسبة للوحدة الوطنية ، مرد ذلك بالدرجة الأولى موقعها
الاستراتيجي المتميز ، الذي جعلها تتحكم بالطرق التجارية الرئيسية بين المغرب و
العالم الأوربي من جهة ، و مناعتها الطبيعية من جهة أخرى التي أهلتها لتكون ثغرا
عسكريا صعب المنال و منيع الدفاع . و تبعا لذلك عملت مختلف القوى السياسية و العسكرية التي توالت
التحكم فيه على العناية بأشكال تحصيناته الدفاعية من إنشاء حصون ضخمة متميزة ( حصن النصر ، حصن الفتح …) ، أسوار تتخللها سلسلة من الأبراج ( أبراج القرن 15 م ، برج اليهودي … ) و بطاريات دفاعية نارية منتشرة هنا و هناك ( بطارية سيدي أبي القنادل ، بطارية سيدي علال بن أحمد ،
بطارية حصن سان تياغو …
) ، استفادت هذه
التحصينات من معدات عسكرية قوت قدراتها الدفاعية و أعطت الدليل المادي الملموس على
أهمية ثغر العرائش لا بالنسبة للقوى الأوربية الطامعة في التوسع بتعدد دوافعها و
لا بالنسبة للدول و الإمارات التي توالت على حكم المغرب ، ويكفينا دليلا على هذه
الأهمية التصريح الملكي التاريخي للملك الإسباني فليب الثاني خلال القرن 16 م ، في حق ثغر العرائش و مرساها المنيع المنال الذي
تناقلته المصادر و الربائد التاريخية ،قوله : ” … مَرْسَى الْعَرَائشْ يُعَادلُ أَهَمّيَّةً سَائرَ
مَرَاسي الْمَعْمُور …”
أو كما سُجل و ترجم في
هذا المعنى.
ولعل أهم مكون عتادي دفاعي سجل حضوره الهام و الحاسم ضمن
المنظومة الدفاعية للثغور الساحلية المغربية كان هو سلاح المدفعية بتعدد أحجامها و
اختلاف أشكالها و تباين عياراتها النارية ، ونسجل هنا أن المغرب كان من بين دول
العالم السباقة تاريخيا إلى الاهتمام باستخدام السلاح الناري في تسليح جيوشها و
عمارة دفاعاتها و العمل على تصنيعه محليا باستجلاب الأطر الأجنبية المختصة و
الاستفادة من خبراتها في الميدان. ولقد ساد الاعتقاد دهرا من
الزمن بين الدارسين والباحثين على أن الاستخدام الأول للمدفع بالجيوش المغربية
وظهور معامل وطنية لتصنيعها كان على عهد السعديين، بينما أثبتت بعض الحوليات
البرتغالية أن المغرب بدأ في التصنيع الوطني للمدافع على عهد الوطاسيين، الذين كان
لهم اعتماد كبير عليها في محاصرة الثغور المحتلة قصد تحريرها، خاصة ثغر أصيلا. و نظرا لما أسلفنا أعلاه من
الأهمية الإستراتيجية التاريخية لثغر العرائش فإن هذا الأخير حظيت أبراجه و حصونه
وبطاريته بكم هائل من قطع المدفعية و ما يتبعها من بارود و كور بمختلف وظائفها و
أنواعها من مصادر تصنيعية متعددة خاصة دور السلاح المغربية ، معامل صب المعادن
الإسبانية ، الفرنسية ، الإنجليزية ،الهولندية ، العثمانية ، وغيرها مما وصلنا من
أخبار في المصادر التاريخية المعاصرة و ما بقي من قطع مدفعية متناثرة هنا و هناك
ينخرها الصدأ و تتوالى عليها صنوف التعرية المناخية و الإهمال لقيمتها الثقافية
باعتبارها مكونا تراثيا ماديا جد هام في التاريخ العسكري لمدينة العرائش و الذي لا
زال حتى الآن لم يحظى بالدراسة و البحث العميق بالنظر لتأثيره المباشر في تاريخ
المدينة خاصة و تاريخ المغرب ككلالثلاثاء، 3 يوليو 2018
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
شركة إندومي للتغذية المصنعة تقتحم حرمة مدارس بالعرائش لتسويق منتوجاتها الخطيرة دون حسيب ولا رقيب
عبد اللطيف الكرطي . يتساءل الرأي العام المحلي عن حقيقة شركة إندومي indomie للتغذية المصنعة التي تحاول إدخال منتوجاتها المصنعة لبعض الم...

-
واد لوكوس هو نهر رئيسي في شمال المغرب. على الرغم من أنه قصير نسبيا (حوالي 100 كيلومترا)، إلا أنه هو ثالث أوسع مجرى مائي في المغرب بتدفق...
-
بعد العمل البطولي الذي قام به منقذ أطفال مخيم رأس الرمل عبد العالي معاشو أمس الأربعاء 29 غشت2018 من اجل إنقاذ أطفال مخيم شاطئ رأس ال...
-
شكل عمال و عاملات مصنع الأسماك GILCOMES مكتبهم النقابي المنضوي تحت لواء المنظمة الديمقراطية للشغل بالعرائش يوم الاثنين 2 يوليوز الجاري، ب...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق